شيخ الأزهر وغزة.. لا تحمّلوا الإمام فوق طاقته

الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر
الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر (AFP)

منذ بداية معركة “طوفان الأقصى” كان الأزهر حاضرًا بخطابه وتصريحاته القوية التي تساند المقاومة مع أن الأزهر في النهاية إحدى مؤسسات الدولة المصرية، ويجب أن تتبع سياستها، ولا تسبقها بخطوات، كما فعل الأزهر في بياناته المتكررة منذ اليوم الأول للطوفان، وبداية المجازر الصهيونية.

فقد دعا للمقاومة والصمود في وجه طغيان الصهاينة، والصمت المخجل من المجتمع الدولي، وكان خطاب الأزهر وشيخه قويًّا، فلم يفوت أي مجزرة من الصهاينة منذ بداية “طوفان الأقصى” إلا وكان سبّاقًا في إدانتها؛ بل وصف الكيان المحتل بما يستحق من أوصاف تعبّر عن جرائمه وطغيانه بحق أهالي غزة.

خطاب واضح

ولم ينسَ الأزهر وشيخه أن يصف القتلى من الفلسطينيين بـ”الشهداء” في سبيل الدفاع عن وطنهم. ولقد قدَّم الأزهر التحية لجهود المقاومة، كما انتقد في خطاباته المجتمع الدولي الذي يكيل بمكيالين، ولا يعرف سوى ازدواجية المعايير حينما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، ووصف الاحتلال بأنه وصمة عار في جبين الإنسانية.

إن خطاب مؤسسة الأزهر في معركة الطوفان سبق الحكومة المصرية والدول العربية والإسلامية بخطوات قوية، ليست فيها مهادنة، وكانت كلمات البيانات واضحة ليس فيها أي اعتبارات سياسية؛ بل كانت نابعة من الشرع والدين، إذ طالب الأزهر في خطاباته الحكومات الإسلامية والعربية باتخاذ موقف موحَّد تجاه الكيان الصهيوني، وحذرهم من أن التاريخ لن يرحمهم، أو يرحم المتخاذلين منهم.

ربما يكون خطاب الأزهر في هذه القضية تحديدًا بعيدًا عن الدبلوماسية؛ إذ وصف الكيان المحتل بأوصاف عبّرت عن نبض الشعوب الإسلامية، فوصف الاحتلال الصهيوني بأنه إرهاب أعمى وغاشم، انتهك كل المواثيق والأعراف القانونية والإنسانية، وكان الخطاب حادًّا -أيضًا- تجاه الأمة الإسلامية والعربية؛ لأنهم -حكامًا أو شعوبًا- لم يقدّموا ما يبيّض الوجوه عند الله في حق القضية الفلسطينية.

وندّد الأزهر بالتغطيات الإعلامية الغربية المتحيّزة ضد فلسطين، مؤكدًا أنها أكاذيب تفضح دعاوَى الحريات التي يدّعي الغرب حمايتها، كما ندد -أيضًا- بوسائل التواصل الاجتماعي المنحازة ضد القضية الفلسطينية، والتضييق على من يناصر الفلسطينيين في منشوراتهم وآرائهم.

وقال مرصد الأزهر “إن مسؤولي فيسبوك وإكس يعملون على انفراد الرواية الصهيونية الكاذبة وحدها بالظهور”، وكشف عن التضييق المتعمَّد على المحتوى الفلسطيني الكاشف لجرائم الاحتلال، ودعا إلى حشد طاقات الإعلام العربي؛ لبيان عدالة القضية الفلسطينية.

شيخ الأزهر والحكام

ومن وجهة نظري، فإن كلمة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب عشيّة انعقاد القمة العربية في الرياض يوم 11 من نوفمبر/تشرين الثاني 2023 كان لها تأثير قوي في مسار القمة، إذ طالب الملوك والرؤساء باتخاذ مواقف حاسمة ضد الكيان المحتل، وطالبهم بالعمل على وقف العدوان، وإيصال المعونات الإنسانية.

وقال في كلمته أيضًا “إن صد العدوان واجب ديني وشرعي، ومسؤوليتنا جميعًا أمام الله -عز وجل- حكامًا كنا أو محكومين”، وبهذا حمّل شيخ الأزهر الحكام العرب والمسلمين المسؤولية أمام الله، وشعوبهم؛ لأن الدفاع عن أهلنا واجب شرعي وديني، ولم يُدن المقاومة؛ إذ كانت بعض الدول (كُرهًا في حركة حماس) تريد إدانة الطرفين، ولكن كلمة شيخ الأزهر سدّت عليهم الطريق.

والحقيقة أن هناك مَن يطالبون الأزهر وشيخه بدور أكبر في هذه الحرب، ونسوا أن الأزهر -في النهاية- مؤسسة تابعة لدولة لا يمكن أن تتخذ مواقف أبعد من ذلك، فهناك مَن يطالب شيخ الأزهر باصطحاب وفد والذهاب إلى معبر رفح لفتحه، كما طالبت بذلك حركة حماس والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

مطالبة شيخ الأزهر بفتح المعبر

فمثلًا، يرى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن الإدانة وحدَها لا تكفي مع تحكُّم مصر في معبر رفح؛ لأن شيخ الأزهر يمكن أن يكون له دور أكبر في التأثير على الأوضاع بما له من فضل ومكانة لدى رئيس مصر.

هل مطلوب من شيخ الأزهر أن يعلن الجهاد والحرب على إسرائيل؟

إن الإدانات والخطابات التي تصدر عن مؤسسة الأزهر وشيخها تُعَد من أقوى البيانات التي صدرت عن أي مؤسسة أو دولة، فقد كانت واضحة وكاشفة، ولم تترك كبيرة ولا صغيرة إلا وكشفتها وفضحتها أمام الرأي العام العربي والإسلامي؛ إذ عبّرت هذه الخطابات عن الغضب الشعبي دون مواربة أو محاباة أو مصلحة.

أمّا المساعدات الإنسانية فقد بادر بيت الزكاة والصدقات المصري الذي يشرف عليه شيخ الأزهر بتقديم 3 قوافل -حتى الآن- تحمل المساعدات الغذائية والطبية وغيرها إلى أهالي غزة في شاحنات عدة منذ بداية السماح بدخول المساعدات وفتح المعبر.

الطلاب الفلسطينيون

ولم ينسَ شيخ الأزهر الطلاب الفلسطينيين في مصر؛ إذ أمر بإعفائهم من المصروفات، وتقديم المساعدات لهم، كما لم يفوّت شيخ الأزهر ووكيل الأزهر أي فاعلية منذ بدء معركة “طوفان الأقصى” إلا وكان الحديث عن القضية الفلسطينية ونصرة أهلها هو أول ما يقومون به، كما نظّمت جامعة الأزهر والمشيخة وقفات تضامنية مع أهالي غزة، ولا ننسى أن المظاهرة الوحيدة التي حدثت في مصر كانت في الجامع الأزهر، ومنه إلى ميدان التحرير.

نعم، تاريخيًّا كان علماء الأزهر هم مَن يحشدون الناس للجهاد والحروب، ولكن الزمن تغيَّر، فهناك جيوش وحكام لهم السيطرة والكلمة، وهم مَن يقومون بهذا، ولهم حساباتهم بعيدًا عن الشعوب، كما أن العرب والمسلمين -حاليًّا- ليسوا على كلمة سواء، فلا تتصور شيخ الأزهر -حاليًّا- يقوم بدور العز بن عبد السلام، أو يحمل سلاحًا ويذهب ليفتح المعبر، كما يريد البعض.

ربما نحن جميعًا نتمنى دورًا أكبر للأزهر في هذه القضية وغيرها، ولكن الظروف الحالية لا تسمح للأزهر وشيخه بأكثر من ذلك، فهم يحاولون على قدْر ما يستطيعون، فلا تلوموا الأزهر وشيخه.

المصدر : الجزيرة مباشر