“طائفة الحشاشين”.. تقدير رسمي و”تكدير” فني

مسلسل الحشاشين

من ميزات الأعمال الفنية التاريخية، أو التي تتخذ من التاريخ منطلقا للإسقاط على الحاضر، أنها تفتح النقاش العام حول موضوعات دُفنت مع دفن أصحابها، ولم تعد ذات أهمية للمواطن الذي يعاني الأمرّين في توفير الاحتياجات الأساسية له ولأسرته، كما أنها تفتح العقول أمام حقائق غائبة عن وعي البعض بمن في ذلك بعض من كتبوا وأنتجوا تلك المسلسلات.

مسلسل الحشاشين الذي تذيعه بعض القنوات المصرية حاليا هو واحد من هذه الأعمال المثيرة للجدل حول قضايا “ماتت وشبعت موت”، لكنه لا يستهدف بالأساس تلك القضايا، وإنما إسقاط أفكار وممارسات تلك الطائفة الباطنية التي أسسها حسن الصباح (1037-1127م) على جماعات قائمة لا يزال النظام في مواجهة مفتوحة معها منذ أكثر من عشر سنوات.

لست معنيا بتلك القضايا الجدلية ولا حتى بالإسقاطات السياسية، لكن من المهم التوضيح أن طائفة الحشاشين لا تزال موجودة حتى الآن، والمفاجأة أن مصر أحد مراكزها الأساسية، وأقصد هنا الطائفة الإسماعيلية التي يتزعمها الأمير كريم خان، والذي هو صديق للدولة المصرية، والتقى رئيسها، وقدّم تبرعات سخية لصندوق تحيا مصر، كما تنشط شبكته “أغاخان للتنمية” في العديد من المجالات في مصر، أي أننا أمام تقدير رسمي و”تكدير فني” لطائفة الحشاشين في مصر.

مصر الجوهرة المفقودة

على الموقع الرسمي للشبكة نقرأ أن “صاحب السمو الأغا خان، مؤسس ورئيس شبكة الأغا خان للتنمية (AKDN)، الإمام الوريث التاسع والأربعين (الزعيم الروحي) لمجتمع المسلمين الشيعة الإسماعيليين -وفي سياق مسؤولياته الوراثية- أسهم سموّه بعمق في عملية التنمية في مختلف بلدان العالم لأكثر من 60 عاما”، كما نقرأ “تعكس مشاركة شبكة الأغا خان للتنمية في مصر الأهمية التاريخية العميقة والطويلة للقاهرة ومصر في سياق الإمامة الإسماعيلية، فقد أسس الخليفة الفاطمي الرابع، والإمام الإسماعيلي الرابع عشر مدينة القاهرة في عام 969م” (والمقصود هنا هو المعز لدين الله).

يعُد الإسماعيليون عموما مصر الجوهرة المفقودة، التي يحلمون بالعودة إليها، وربما حكمها في يوم من الأيام استكمالا لمسار خلافتهم الفاطمية السابقة، وقد عززت الطائفة الإسماعيلية النزارية (الحشاشين) حضورها في مصر منذ عهد الأغاخان الثالث السلطان محمد شاه (توفي 1957)، والذي قدم إلى مصر بناء على نصيحة طبية للعلاج من الروماتيزم، وكانت محطته هي أسوان، وقد شيد فيها قصرا خاصا له ولحاشيته، كما حضر معه عدد من أبناء طائفته، وبعد شفائه قرر إقامة ضريح فخم على الطراز الفاطمي في المكان نفسه الذي كان يعالج فيه على ضفة النيل، وهو الضريح الذي يضم الآن جثمانه وجثمان زوجته البيجوم أم حبيبة.

الأغاخان الحالي الأمير شاه كريم الحسيني، مواليد 13 ديسمبر/كانون الأول 1936، هو حفيد السلطان محمد شاه، وقد تولى زعامة الطائفة وهو طالب في جامعة هارفاراد عام 1957، وهو الإمام الحاضر التاسع والأربعون للطائفة الإسماعيلية النزارية التي تمثل 10% من الشيعة في العالم، وهو رجل أعمال بارز يحمل الجنسيتين البريطانية والبرتغالية، وقدرت مجلة فوربس ثروته في عام 2013 بمبلغ 13.3 مليار دولار، ويتمتع بعلاقات دولية جيدة، ومن ذلك صداقة خاصة مع السيسي.

مشروعات تنموية في مصر

ربما لا يعرف البعض أن مؤسسة أغاخان هي التي أنشأت حديقة الأزهر، وهي التي تتولى إدارتها، وهي التي تقوم بترميم المعالم الأثرية في حي الدرب الأحمر، وللمؤسسة العديد من الأنشطة الأخرى خاصة في أسوان في مجالات التنمية الزراعية، والأمن الغذائي، ورعاية الطفولة، والمجتمع المدني.

الفرع الآخر للطائفة الإسماعيلية الباطنية هم البهرة، ومعقلهم الرئيسي حاليا الهند، ولهم حضور بارز في مصر أيضا يتركز فيما يُعرف بالقاهرة الفاطمية وخاصة منطقة الحسين والسيدة زينب، ويزداد هذا الحضور يوما بعد الآخر، كما يتمتعون بعلاقات متميزة مع السلطات الرسمية، وقد استقبل السيسي سلطان البهرة مفضل سيف الدين أكثر من مرة بدءا من عام 2014، كان أحدثها في أغسطس/آب الماضي رفقة عدد من زعماء الطائفة، وفُرشت له السجادة الحمراء أسوة برؤساء الدول، كما تم تقليده وشاح النيل تكريما له على المساعدات التي قدمها سواء لصندوق تحيا مصر، أو المشروعات التي يقوم بها خاصة ترميم المناطق الأثرية.

وصل البهرة إلى مصر منذ السبعينيات، ويبلغ عددهم نحو ألف شخص، لكن أعدادا كبيرة أخرى منهم تفد إلى مصر للسياحة وزيارة المساجد والمراقد الفاطمية، وقد حرصوا على شراء محال ومنازل في القاهرة الفاطمية، كما يقيم بعضهم في حي المهندسين، وهم مهتمون بتطوير وترميم المساجد والآثار والمقابر الفاطمية في مصر، ومن ذلك مسجد الحاكم بأمر الله (أحد الخلفاء الفاطميين)، وهو المسجد الذي يؤدون فيه صلواتهم بعيدا عن عموم الشعب المصري، كما قاموا بتطوير وترميم أضرحة السيدة نفيسة والسيدة زينب والحسين، ومساجد الأقمر والسيدة زينب والسيدة رقية.

تضارب عجيب بين الموقف الرسمي المصري المحتضن لطائفة الحشاشين، والمقدر لزعيمهم الأغاخان وريث حسن الصباح، وموقف فني محقر للطائفة ومؤسسها، صادر أيضا من شركة فنية رسمية، وهو تضارب يحتاج إلى تفسير!!

المصدر : الجزيرة مباشر