مسلسل “صلاح الدين الأيوبي” النسخة التركية بين التاريخ والخرافة!

المسلسل التركي "صلاح الدين الأيوبي"

أوّل شيء يلفت الانتباه في المسلسل التاريخي التركي “صلاح الدين الأيوبي” قوة الإخراج والتمثيل والتشويق والتصوير والدراما، مقابل التشويه المتعمد للتاريخ، والحقائق التاريخية. ويكتشف المشاهد ذلك منذ الدقائق الأولى التي تبهره -كالمعتاد- بمشاهد ملاحقة صاحب شرطة بغداد لنجم الدين أيوب “والد يوسف الذي سُمي فيما بعد، صلاح الدين”.

كانت والدة يوسف توشك على وضعه أثناء ملاحقة قافلة نجم الدين أيوب من قبل عدوه، وقد صور المسلسل تلك المشاهد بحرفية عالية تشد المشاهد وتكتم أنفاسه. كما كان تصوير المعارك ذا تقنية عالية وإن حدث وسط الغابات ليذكّرنا بمشاهد مماثلة من مسلسل “المؤسس عثمان” و”ألب أرسلان”. وتلك الطبيعة التي صُوِّر فيها المسلسل لا تشبه جغرافية الأماكن الحقيقية التي جرت فيها أحداث المسلسل.

في الحلقة الخامسة يبهت الإخراج القوي بسبب تكرار أحداث ومشاهد سابقة من غير مبرر منطقي سوى تذكّر الشخصيات لها؛ فيصبح المشهد الجديد دقائق معدودة مقابل مشاهد تأخذ وقت الحلقة كاملة.

 الحكاية التاريخية

أسس عماد الدين الزنكي الدولة الزنكية في الموصل، وكانت تابعة “اسميًّا” للدولة العباسية في بغداد. وكانت الصراعات محتدمة بين الفاطميين والعباسيين والسلاجقة والزنكيين في الوقت الذي احتل فيه الصليبيون بيت المقدس والرها وأنطاكية.

كان لدى عماد الدين الزنكي مشروع للقضاء على الصليبيين في بلاد الشام. وحين خسر جيشه في المعارك التي اشترك فيها مع السلطان مسعود في حربه ضدَّ الخليفة العباسي “المسترشد بالله”. تراجع حتى الموصل وفي طريقه طلب مساعدة نجم الدين أيوب الذي كان يحكم تكريت في ذلك الوقت.

ووقف نجم الدين بجانب عماد الدين الزنكي بسبب الهدف السامي الذي يسعى إليه، فقدّم له سفنًا لعبور نهر دجلة ليصل إلى الموصل. وخاطر بذلك بمستقبل حكمه.

وهذا التصرف أغضب صاحب الشرطة في بغداد “مجاهد الدين بهروز” واعتبر مساعدته لعماد الدين خروجًا على طاعة الخلافة العباسية. أما السبب الرئيسي الذي جعل صاحب الشرطة يسعى وراء نجم الدين لمعاقبته فهو حادثة قتل “شيركوه” شقيق نجم الدين أيوب لأحد مماليك صاحب الشرطة.

خرج نجم الدين أيوب مع أسرته وأصحابه وأخيه من تكريت متوجهًا إلى عماد الدين الزنكي في الموصل ليحتمي به من بطش بهروز. ورحّب به عماد الدين، وعمل نجم الدين أيوب في خدمته، ونشأ ابنه يوسف “صلاح الدين” في كنفه. وجعل عمادُ الدين نجمَ الدين أيوب أميرًا على بعلبك التي أخذها من أمير دمشق. مات عماد الدين الزنكي، ووجد نجم الدين نفسه مضطرًا -بعد مطالبة أمير دمشق بمدينة بعلبك- إلى أن يصبح في خدمته، بينما اختار شقيقه “شيركوه” اللحاق بنور الدين محمود بن عماد الدين زنكي.

سنة 549هـ استولى نور الدين محمود على دمشق، ودخل نجم الدين أيوب في خدمته.

الحكاية في المسلسل التركي

قلبت الدراما التركية التاريخ رأسًا على عقب، فجعلت نجم الدين أيوب يهرب من بهروز صاحب الشرطة إلى نور الدين محمود الذي كان يحلم بتحرير بيت المقدس والذي كان ينتظر مولودًا ذكرًا. وتشاء الأقدار أن تموت زوجته أثناء ولادة الطفل ويموت ابنه معها. في اللحظة ذاتها كانت زوجة نجم الدين على الطريق تلد “يوسف” فبقي عندها زوجها وتابع شقيقه شيركوه الطريق إلى نجم الدين محمود الذي علم بملاحقة صاحب الشرطة لنجم الدين فجاء مسرعًا لنجدته وهو لم يدفن ابنه وزوجته بعد، بل كان النجار “الشخصية الخرافية التي أتت من عالم الذر” يحضّر النعش!

وينقذ نور الدين محمود نجم الدين وزوجته وابنه الرضيع، لكنه يطلب مقابل ذلك أن يأخذ الرضيع منهم ويجعله ابنه ويقول لقومه إنّ الأطباء استطاعوا إنقاذ ابنه، ولم يمت. وتوافق زوجة نجم الدين على منح طفلها الرضيع لنور الدين الزنكي بعد تردد؛ وذلك لأنّها رأت في منامها رجلًا من عالم الذر يبني منبرًا عرفت أنّ هذا المنبر هو لابنها الذي سيفتح القدس، وقد طلب منها أن تضحي في سبيل هذا الهدف السامي!

حكاية المنبر معروفة لدى الناس جميعًا خاصة بعد حرقه من قبل مستوطن صهيوني وإعادة ترميمه. ولم يكتفِ صُنّاع المسلسل بهذا، بل تجاوزوه إلى أحداث “معركة عسقلان” فقد رفض نور الدين أن يساعد صلاح الدين أهل عسقلان في الدفاع عن مدينتهم، وهدد صلاح الدين بمعاقبته، وهذا يتناقض مع هدفه الأساسي بتحرير القدس! ومن المعروف أنّ الملك بالدوين هو الذي قاد المعركة بينما ظهر في المسلسل وهو يقول لغابرييل الذي يريد الانتقام لوالده: “اذهب أنت لحصار عسقلان وأنا سأقوم بإلهاء نور الدين”.

وقد أشار المسلسل إلى أصل صلاح الدين نافيًا كرديته وهو ما أكّده ابن واصل في كتابه “مفرج الكروب في أخبار بني أيوب”.

ما الهدف من هذا التشويه للتاريخ؟

السؤال الذي يطرح نفسه، هل هو عدم معرفة بالوقائع التاريخية على الرغم من وفرة الكتب التي وثّقت لتلك الحوادث أم أنّه تشويه متعمد للتاريخ الإسلامي مع الإصرار على نسب كلّ ما هو مشرق فيه إلى أبطال أتراك؟!

الجواب جاء في المسلسل، تقول المقدمة: “الشخصيات في المسلسل مستوحاة من تاريخنا”. ولم يذكر التاريخ العربي ولا الإسلامي، وبقي الإيحاء قويًّا بانتساب الشخصيات إلى التاريخ التركي. ويدعم ذلك الإيحاء الخوض في تاريخ الأمة التركية ونشأتها، وسرد أسطورة “الذئب الرمادي” أبي الأمة التركية الذي استخدم اسمه ألب أرسلان توركش مؤسس حركة “الذئاب الرمادية –حركة الشباب المثالي” التي عُرفت لاحقًا بـ”فرق الموت”.

وكذلك إعطاء قبائل البوريين المنحدرين من نسل الذئب الرمادي دورًا بارزا في دعم السلاجقة، والحرب ضدّ الصليبيين، في حين عُنيت السينما المصرية والعالمية، بإبراز دور صلاح الدين في تحرير القدس.

المصدر : الجزيرة مباشر