الطريق نحو البيت الأبيض (4): الثلاثاء الكبير

المرشحة الرئاسية الجمهورية السفيرة السابقة للأمم المتحدة نيكي هيلي تتحدث خلال تجمع انتخابي (الفرنسية)

يُمثل يوم الثلاثاء الموافق 5 مارس 2024، أحد أهم أيام الانتخابات الرئاسية الأمريكية، إذ يشهد ما يُطلق عليه تاريخياً “الثلاثاء الكبير”، وقد بدأ تقليد “الثلاثاء الكبير” في السبعينيات من القرن العشرين.

ففي عام 1976 عُقدت ست انتخابات تمهيدية، الثلاثاء 25 مايو، وفي 11 مارس عام 1980، عُقدت في 7 ولايات، وكان عام 1984 بداية الحركة نحو “الثلاثاء الكبير” الأكثر شمولا في شهر مارس، حيث أجريت الانتخابات التمهيدية في 9 ولايات في 13 مارس 1984، وفي عام 1988، عُرف بـ “الثلاثاء الكبير الجنوبي”، حيث عقدت انتخابات تمهيدية ومؤتمرات حزبية يوم الثلاثاء 8 مارس 1988، في 21 ولاية من ولايات الجنوب الأمريكي.

ويختلف عدد الولايات المشاركة في يوم “الثلاثاء الكبير” من انتخابات لأخرى، فكان 24 ولاية في انتخابات عام 2008، وشاركت 14 ولاية في انتخابات عام 2016، وفي 3 مارس 2020، تم إجراء الانتخابات في 14 ولاية. كما شارك الناخبون في إقليم ساموا الأمريكي التابع للولايات المتحدة والديمقراطيون الذين يعيشون في الخارج.

وتأرجح تاريخ هذا اليوم بين شهريْ فبراير ومارس في العام الذي تتم فيه الانتخابات الرئاسية، حيث تصادف تاريخ هذا اليوم في انتخابات عام 2008 مع يوم 5 فبراير، وفي انتخابات عام 2016 مع يوم الأول من مارس.

وكان الكونغرس اختار منذ عام 1845 الثلاثاء يوما للتصويت في الانتخابات، خصوصا المزارعين منهم، حتى لا تتأثر أعمالهم خلال بقية أيام الأسبوع لأن المجتمع كان حينئذ مجتمعا زراعيا يتم التنقل فيه بين المناطق بواسطة الخيول، ثم أقر الكونغرس عام 1875 الثلاثاء الأول بعد أول يوم إثنين من نوفمبر كل أربع سنوات لإجراء انتخابات مجلس النواب، وأقره في عام 1914 ليكون نفس يوم إجراء انتخابات مجلس الشيوخ.

الثلاثاء الكبير بين تعدد التفسيرات وترتيب الأولويات

ومن بين الأسباب التي تدفع بهذه الولايات للتصويت في نفس اليوم، أن العديد من هذه الولايات لديها عدد قليل من السكان ومن المندوبين، وتريد بعقد استحقاقاتها الانتخابية في نفس اليوم أن تصبح قادرة جماعيا على إحداث تأثير أكبر في اختيار الرئيس المقبل.

كما أن العديد من الولايات المشاركة في هذا اليوم تنتمي إلى الجنوب ولديها اهتمامات متشابهة بشأن القضايا القومية، إلى درجة أن وسائل الإعلام تلقب هذا اليوم بـ”الانتخابات التمهيدية”.

وتساهم انتخابات الثلاثاء الكبير في تضييق مجال التنافس، وغالبا ما ينسحب من السباق عدد من المترشحين الذين لم يحققوا سوى مكاسب قليلة في منافسات تلك الولايات.

وفي الخامس من مارس 2024، سيكون التصويت في 15 ولاية أمريكية ضمن سباق الانتخابات التمهيدية في الولايات المتحدة، وتشمل هذه الولايات: كاليفورنيا، فرجينيا، فيرمونت، كولورادو، كارولينا الشمالية، ألاسكا، ألاباما، أركنساس، مين، ماساتشوستس، أوكلاهوما، تينيسي، تكساس، يوتا، مينيسوتا، وجزر ماريانا الشمالية، وساموا الأمريكية.

وبينما يبدو مرشح الحزب الديمقراطي شبه محسوم لصالح الرئيس جو بايدن، فإن معركة الحزب الجمهوري الانتخابية ما زالت مستمرة بين الرئيس السابق دونالد ترمب ومنافسته نيكي هيلي، رغم أن التوقعات بفوز ترمب بترشيح الحزب هي المهيمنة، وخاصة بعد فوزه عليها في الانتخابات التمهيدية في ولايتها “كارولينا الجنوبية”، كما سبق له الفوز عليها في ولايات أيوا ونيومامبشير، ونيفادا، وميتشغان.

الولايات التي ستشهد الانتخابات التمهيدية يوم الثلاثاء الكبير (5 مارس 2024)، تسيطر على عدد (168) من أعضاء مجلس النواب، وفق تعداد سكان الولايات المتحدة، الذي تم عام 2020، أي ما يعادل نحو 38.3% من إجمالي أعضاء الكونغرس، وتتوزع هذه المقاعد على النحو التالي: كاليفورنيا (52) فرجينيا (11) فيرمونت (1) كولورادو (8) كارولينا الشمالية (14) ألاسكا (1) ألاباما (7) أركنسو (4) مين (2) ماساتشوستس (9) أوكلاهوما (5) تينيسي (9) تكساس (38) يوتا (4) مينيسوتا (8). بجانب مقعدين رسميين لكل ولاية في مجلس الشيوخ، بإجمالي 30 مقعدًا.

وإذا كانت هذه الأرقام غير مهمة في الانتخابات التمهيدية التي تُجرى لاختيار مرشحي الأحزاب، فإنها شديدة الأهمية في الانتخابات النهائية، وخاصة أن من بين هذه الولايات عددًا من الولايات التي تسمى بالولايات الحاسمة مثل كاليفورنيا وتكساس وكارولينا الشمالية والتي يصل عدد نوابها معًا في مجلس النواب (52+ 38+ 14) نحو 104 نواب بنسبة تقترب من ربع إجمالي عدد النواب.

بين ترمب ونيكي هيلي: المنافسة صفر!!

لا مجال للمقارنة من حيث الحضور والتأثير بين دونالد ترمب الرئيس الذي سبق وحكم الولايات المتحدة بين يناير 2017 ويناير 2021، والساعي لرئاستها من جديد، وبين نيكي هيلي التي تنافسه على الفوز بترشيح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية، نوفمبر 2024.

نيكي التي بدأت حياتها السياسية بالترشح لعضوية مجلس النواب، وكانت أول امرأة تشغل منصب حاكم ولاية كارولاينا الجنوبية، وثاني أمريكية هندية تتولى هذا المنصب في أمريكا. ثم شغلت منصب سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة في عهد ترمب نفسه..

فقد فازت في الانتخابات التمهيدية والعامة عام 2004 بمقعد في مجلس النواب بولاية كارولاينا الجنوبية، ثم أعيد انتخابها عامي 2006 و2008، وفي نوفمبر 2010، تم انتخابها الحاكمة رقم 117 للولاية نفسها، وأعيد انتخابها لولاية ثانية في نوفمبر 2014، وفي 24 يناير 2017، قام ترمب بتعيينها بمنصب السفيرة الأمريكية الـ 29 لدى الأمم المتحدة، واستقالت في 31 ديسمبر 2018.

وفي فبراير/شباط 2019، أطلقت مجموعة سياسية جديدة باسم “من أجل أمريكا”، وفي أوائل عام 2021، أنشأت لجنة العمل السياسي لتأييد ودعم المرشحين في انتخابات التجديد النصفي لعام 2022. ويوم 14 فبراير 2023، أعلنت ترشحها رسميا للانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024.

لكن نيكي حليفة ترمب في انتخابات 2016 ومنافسته في الانتخابات التمهيدية 2024، تعرضت لسلسلة هزائم متتالية بفوارق قياسية أمام ترمب في كل الانتخابات التمهيدية التي تمت قبل الثلاثاء الكبير، بما فيها ولايتها كارولينا الجنوبية.

لذلك من غير المتوقع أن تستمر في المنافسة بعد الثلاثاء الكبير، الذي سيشهد حسم معركة الجمهوريين لصالح ترمب، وخروجها من المعادلة الانتخابية بشكل كامل، ولن تنفع معها في هذه المواجهة مؤلفاتها الكبرى مثل كتاب “إذا كنت تريد القيام بشيء ما فإليك دروس القيادة من النساء الجريئات”، وكتاب “مع كل الاحترام الواجب.. الدفاع عن أمريكا في السرء والضراء”، الذي كشفت فيه الكثير من سلبيات إدارة ترمب في رئاسته الأولى عندما كانت حليفة له.

وليس من المحتمل أن تنجح رهانات نيكي في حدوث انشقاقات داخل الحزب الجمهوري، يمكن أن تطيح بترمب في انتخابات الثلاثاء الكبير، فالسياقات السياسية والاقتصادية داخل الولايات المتحدة وخارجها، تقول إن هذا الأسد الجريح عائد بقوة ليس فقط للرئاسة في الولايات المتحدة ولكن للانتقام لكل ممن حاول النيل منه بعد خسارته في انتخابات نوفمبر 2020، ليس فقط من الديمقراطيين ولكن أيضًا من الجمهوريين، غير عابئ بأي معايير أو ضوابط سياسية أو قانونية، أمريكية أو حتى عالمية.

المصدر : الجزيرة مباشر