الطريق نحو البيت الأبيض (5): المجمع الانتخابي

دونالد ترمب
الرئيس الأمريكي السابق والمرشح المحتمل دونالد ترمب (رويترز)

حين يتوجه الأمريكيون إلى مراكز الاقتراع في الانتخابات الرئاسية، في الثلاثاء الأول من شهر نوفمبر كل أربع سنوات، يقومون بالتصويت لمجموعة من المسؤولين يشكلون المجمع الانتخابي، وكلمة “المجمع” تشير إلى مجموعة من الأشخاص لهم مهمة مشتركة، هؤلاء الأشخاص يقومون بانتخاب الرئيس ونائبه، ويُعقد المجمع الانتخابي كل أربع سنوات، بعد أسابيع من يوم الانتخابات، من أجل القيام بهذه المهمة.

جذور الفكرة

حين وُضع الدستور الأمريكي عام 1787، كان من المستحيل عمليًّا أن يتم إجراء تصويت شعبي لانتخاب الرئيس، وذلك بسبب اتساع مساحة البلاد وصعوبة الاتصال، وفي ذلك الوقت، لم يكن هناك حماس شديد لترك اختيار الرئيس الجديد في يد المشرعين المقيمين في العاصمة واشنطن، لذا خرج واضعو الدستور الفيدرالي بفكرة المجمع الانتخابي، حيث تقوم كل ولاية باختيار أعضائها الذين ينتخبون الرئيس، وقوبل هذا النظام بترحيب الولايات الصغرى، إذ يمنحها تأثيرًا أكبر في تحديد الرئيس، مقارنة بالتصويت الشعبي.

كما لاقى المجمع الانتخابي تفضيلًا لدى الولايات الجنوبية، حيث كان العبيد يشكلون نسبة كبيرة من السكان. ورغم أن العبيد لم يحق لهم التصويت، فقد كان يتم إحصاء عددهم في التعداد السكاني الأمريكي (بما يعادل ثلاثة أخماس شخص)، ونظرًا إلى أن عدد أصوات المجمع الانتخابي تتحدد بناء على عدد سكان الولاية، فإن الولايات الجنوبية كان لها تأثير في انتخاب الرئيس من خلال هذا النظام، أكثر مما كانت لتحققه عبر التصويت الشعبي.

كيف يعمل المجمع الانتخابي؟

يتناسب عدد أعضاء المجمع الانتخابي عن كل ولاية مع عدد سكانها، يبلغ العدد الإجمالي للأعضاء في الكونغرس بمجلسيه 538 عضوًا، بينهم 438 عضوًا في مجلس النواب، و100 عضو بالتساوي بين الولايات الخمسين، بعد تعداد السكان 2020، خسرت 7 ولايات مقعدًا في مجلس النواب نتيجة التغير في أعداد السكان، وهي: كاليفورنيا، إلينوي، ميشيغان، نيويورك، أوهايو، بنسلفانيا، فرجينيا الشرقية.

وفي المقابل ذهبت هذه المقاعد إلى كل من: كولورادو، فلوريدا، مونتانا، كارولينا الشمالية، أوريغون، وحصلت كل منها على مقعد إضافي، بينما حصلت تكساس على مقعدين إضافيين، وأصبح ترتيب أكبر عشر ولايات من حيث عدد السكان، وبالتالي من حيث عدد الأعضاء في مجلس النواب على النحو التالي: كاليفورنيا (52) مقعدا، تكساس (40)، نيويورك (28)، فلوريدا (30)، إيلينوي (29)، بنسلفانيا (20)، أوهايو (20)، ميشيغان (18)، جورجيا (16)، كارولينا الشمالية (16).

ويُمثل كل عضو من أعضاء المجمع الانتخابي صوتًا انتخابيًّا واحدًا، ويحتاج المرشح إلى الفوز بـ271 صوتًا على الأقل بين أصوات المجمع الانتخابي كي يفوز بالانتخابات.

وتمنح الولاية جميع أصوات مجمعها الانتخابي، لمن يحصل على أغلبية أصوات الناخبين العاديين في الولاية، مثلًا إذ فاز ترامب في انتخابات نوفمبر 2024 بنسبة 50% + 1 من الأصوات في ولاية تكساس، فإنه يحصل على جميع أصوات المجمع الانتخابي للولاية وعددها 40 صوتا.

ويُستثنى من هذه القاعدة ولايتان فقط هما ولاية “مين” وولاية “نبراسكا”، حيث تقومان بتقسيم أصوات المجمع الانتخابي، بحسب نسبة الأصوات التي يحصل عليها كل مرشح، فإذا فاز ترامب في ولاية مين بـ50% من الأصوات تكون له 50% من المقاعد، وهكذا الحال في نبراسكا.

وهذا هو السبب وراء تركيز المرشحين على الولايات المتأرجحة أي الولايات التي لا يمكن التنبؤ باتجاهات التصويت فيها، كما هو الحال مع ولاية فلوريدا (التي يبلغ عدد أعضائها في مجلس النواب 30 عضوًا) وولاية أوهايو (التي يبلغ عدد أعضائها في مجلس النواب 20 عضوًا). وهناك ولايات كانت داعمة للحزب الجمهوري بقوة في الماضي، مثل ولاية أريزونا وولاية تكساس، ثم أصبحت في السنوات الأخيرة من الولايات المتأرجحة التي سيكون التصويت فيها حاسما عام 2024 بسبب زيادة التأييد للحزب الديمقراطي فيها، وإن كانت أزمة تكساس الأخيرة مع إدارة بايدن الديمقراطية تدفع بسكان الولاية نحو التصويت بقوة لصالح ترمب الذي وقف بجانب حاكم الولاية في أزمته مع الحكومة الفيدرالية حول ملف الهجرة غير الشرعية، حيث تعتبر الولاية من أكثر الولايات الأمريكية معاناة منها بسبب حدودها المشتركة مع المكسيك.

المجمع الانتخابي: قضايا وإشكاليات

تثير فكرة المجمع الانتخابي، التي تعتمدها الولايات المتحدة في انتخاباتها الرئاسية، العديد من التساؤلات والإشكاليات من بينها على سبيل المثال:

هل يمكن للفائز بالتصويت الشعبي ألا يكون الرئيس بسبب تصويت أعضاء المجمع؟

والإجابة هنا “نعم”، فمن الممكن أن يحصل أحد المرشحين على العدد الأكبر من أصوات الناخبين على مستوى البلاد، دون الحصول على العدد الكافي من أصوات المجمع الانتخابي لتأمين الأغلبية اللازمة، وعددها 271 صوتا على الأقل، وفي الانتخابات الستة الأخيرة منذ عام 2000 فاز مرشحان بالرئاسة رغم حصولهما على عدد من أصوات الناخبين في التصويت الشعبي أقل مما حصل عليه منافساهما.

ففي عام 2000 فاز جورج دبليو بوش بـ271 صوتًا داخل المجمع الانتخابي، رغم تقدم المرشح الديمقراطي آل غور في التصويت الشعبي بأكثر من نصف مليون صوت، وفي عام 2016، حصل دونالد ترمب (مرشح الحزب الجمهوري) في التصويت الشعبي على عدد أقل بثلاثة ملايين صوت مما حصلت عليه هيلاري كلينتون (مرشحة الحزب الديمقراطي)، لكنه فاز بالرئاسة لأنه حصل على أغلبية أصوات المجمع الانتخابي، وخلال القرن الـ19 انتخب ثلاثة رؤساء آخرون رغم عدم فوزهم بالتصويت الشعبي، وهم جون كوينسي أدامز، وروزرفورد بي هايز، وبنجامين هاريسون.

ومن بين الأسئلة الأخرى التي تثيرها فكرة المجمع الانتخابي: هل يستطيع أعضاء المجمع الانتخابي التصويت لأحد المرشحين بما يتعارض مع تصويت سكان الولاية؟

والإجابة هنا أيضًا “نعم”، ففي بعض الولايات قد يصوت أعضاء المجمع الانتخابي للمرشح الذي يفضلونه بغض النظر عما حصل عليه من أصوات الناخبين، لكن أغلب التجارب في الواقع العملي، تقول إنهم دائمًا يصوتون لصالح المرشح الفائز بأغلبية الأصوات في الولاية، وإذا صوت عضو في المجمع الانتخابي على غير اختيار الولاية، فسيتهمه الكثيرون بالخيانة، وفي عام 2016 صوت سبعة أعضاء على هذا النحو، لكن ذلك لم يحدث تغييرًا في النتيجة، إذ لم يحصل أي مرشح على الأغلبية، التي تجعل أصوات هؤلاء مؤثرة.

وقد حدث ذلك مرة واحدة عام 1824 حين تفككت أصوات المجمع الانتخابي بين أربعة مرشحين، دون حصول أي منهم على الأغلبية، إلا أنه مع هيمنة الحزبين الجمهوري والديمقراطي على النظام السياسي في الولايات المتحدة منذ منتصف الخمسينيات من القرن العشرين، أصبح التمحور حول مرشحين فقط هو الأساس الحاكم، وقد رسخت انتخابات الثلاثاء الكبير التي تمت في الخامس من مارس 2024، هذه الفكرة، حيث انسحب أبرز المنافسين المحتملين أمام كل من دونالد ترمب في الحزب الجمهوري، وجو بايدن في الحزب الديمقراطي.

ورغم أن الانتخابات التمهيدية لم تنته بعد في كل الولايات، فإن الأمر أصبح فعليًّا محسومًا، وستكون انتخابات نوفمبر 2024، بين ترمب وبايدن، حتى يجتمع أعضاء المجمع الانتخابي في السادس من يناير 2025، للإعلان الرسمي عن الفائز بالانتخابات الرئاسية، الذي سيتولى مقاليد الأمور في البيت الأبيض بدءًا من 20 يناير 2025، لتبدأ ولاية جديدة، يتوقَّع بنسبة كبيرة أنها ستكون جمهورية ترمبية، إلا إذا حدثت أي تحولات غير متوقعة، تُقلل من هذه النسبة!!

المصدر : الجزيرة مباشر