المسلمون في الهند.. ورقة للمغازلة بين المعارضة والحزب الحاكم على وقع الانتخابات

من المرجح أن يكشف حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم عن بيانه قريبًا

سونيا غاندي وبريانكا غاندي يشاركان قادة الحزب في حفل انتخابي (الجزيرة مباشر)

مع اقتراب موعد المرحلة الأولى من التصويت في الانتخابات العامة الهندية لعام 2024، أصدر حزب المؤتمر، الحزب الرئيس المعارض في الهند، بيانه الانتخابي وسماه “نياي بتر” يعني “صحيفة العدالة”، ومن المرجح أن يكشف حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم عن بيانه قريبًا.

وفقًا لمصادر داخل الحزب الحاكم، فإنه يُفضل عدم إصدار بيانه مبكرًا نظرًا لوجوده في الحكومة، مؤكدًا أن عمله يمثل بيانه بحد ذاته، ومع ذلك يصف خبراء هذا الإجراء بأنه تكتيك لتفادي التفتيش الجدي لبيانه أو لتقليل الوقت المتاح للنقاش الشامل.

في السياق الهندي، البيانات الانتخابية وثائق مهمة تعكس أجندات الأحزاب وتعهداتها للناخبين. الناخبون ووسائل الإعلام يرون أهمية كبيرة في هذه البيانات، حيث تعد مرجعًا مهمًا لوعود السياسيين والتزاماتهم للمستقبل.

نظرًا لأن بيانات أكبر الأحزاب السياسية في الهند -حزب المؤتمر وحزب مودي- تحظى بمزيد من الاهتمام، فإنها تتم مناقشتها وتحليلها بشكل أكبر من قبل الناخبين ووسائل الإعلام، وتجذب اهتمامًا خاصًا من الجمهور ووسائل الإعلام.

كما ترصد الأقلية المسلمة في البلاد، التي تشكل حوالي 14% من السكان، البيانات الانتخابية بانتباه شديد، إذ يعرفون أن مصيرهم السياسي يتعلق بمواقف الأحزاب السياسية.

خلال فترتي رئاسة ناريندرا مودي، تعرض المسلمون للعديد من القضايا والتحديات العنيفة التي تفاقمت بسبب السياسات الحكومية، ومن أبرز تلك القضايا، غياب الأمان الشخصي والتهديدات للحياة والكرامة، التي تشكل أمرًا بالغ الأهمية.

وعلى مدى العقد الماضي، شهد المسلمون خسارة الامتيازات والحريات، إلى جانب انتهاكات حقوقهم وحرياتهم المكفولة دستوريًا، في حين اكتسب الهندوس الهيمنة عليهم في الساحة السياسية والمجتمعية.

سونيا غاندي الرئيسة السابقة لحزب المؤتمر مع وثيقة البيان (الجزيرة مباشر)

وعود الحزب الحاكم

أعلن حزب المؤتمر الوطني الهندي عن بيانه الانتخابي الذي يتضمن العديد من الوعود التي تهدف إلى حماية الشعب من الدكتاتورية، وضمان حرية الطعام، وارتداء اللباس والعبادة وفقًا لمعتقداتهم، وتم التركيز على جوانب عدة أثارت انتباه الجمهور وأشعلت غضب أنصار القوميين الهندوس.

في بيانه تم تحديد خمس “ركائز للعدالة”، وهي العدالة للشباب والنساء والمزارعين والعمال الذين يعملون بعيدًا عن منازلهم، بالإضافة إلى تكافؤ الفرص يعني المساواة في فرص النفاد إلى جوانب المشاركة جميعها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وعدم مواجهة العوائق على أساس الجنس والدين كما يتضمن 25 ضمانًا.

ومن هذه الضمانات:

  • إعادة جامو وكشمير إلى وضع الولاية وصفتها كغيرها من الولايات الهندية الأخرى التي ألغته حكومة مودي فجأة في 2019، وجعلتها منطقة تابعة مباشرة للحكومة المركزية.
  • إلغاء خطة التجنيد الهندية الجديدة لتقصير مدة الخدمة العسكرية التي نفذتها حكومة مودي لإشراك مزيد من الأفراد في الجيش بعقود أقصر أجلًا من السابق، تبلغ مدتها أربع سنوات ولخفض متوسط أعمار العسكريين البالغ عددهم 1.38 مليون شخص، حيث يدعي حزب المؤتمر أن الخطة لتقصير مدة الخدمة العسكرية تهدد الأمن القومي للبلاد.
  • ضمان حد أدنى ثابت لأسعار المنتجات الزراعية الذي احتج عليه آلاف المزارعين في الهند، وما زالوا يحتجون.

الأهم للمسلمين

الجزء الذي يحمل أهمية كبيرة بالنسبة للمسلمين في البيان هو تعهد حزب المؤتمر بحماية حقوق الأقليات في البلاد، كما يتعهد بدعم حرية الاختيار فيما يتعلق بالملابس والتفضيلات الغذائية واللغة والقوانين الشخصية للأقليات.

مع ذلك يتعرض المسلمون بشكل روتيني لهجمات عشوائية لتناول اللحوم، ارتداء القلنسوة وارتداء غطاء الرأس واللحية على الوجوه وفي بعض الأحيان، يتم الاستفزاز ببساطة عن طريق افتراض أن شخصًا يبدو مسلمًا، وهذا ما أشار إليه مودي نفسه خلال التجمعات الانتخابية السابقة، حيث ألمح إلى مسلمي الهند أنه يمكن التعرف إلى “المثيرين للعنف” من خلال ملابسهم.

علاوة على ذلك، يؤكد التزامه القوي بالتفكير في إصلاحات ممكنة في قوانين الأحوال الشخصية الدينية، مؤكدًا أهمية مشاركة المجتمع والحصول على موافقته في أنواع الإصلاحات الحساسة.

كما يتعهد البيان بعكس السياسات التي نفذتها حكومة مودي خلال السنوات العشر الماضية، مشيرًا إلى الحاجة الملحة لـ”إصلاح” الضرر الذي لحق بالهند على الصعيدين المحلي والدولي، حيث اتسع الانقسام بين الهندوس والمسلمين على الصعيد المحلي، وأثرت حوادث الشغب والفظائع المختلفة ضد المسلمين في سمعة الهند على الصعيد الدولي.

قادة حزب “الكونغرس” يجتمعون يوم الجمعة بمؤتمر صحفي في مقر الحزب في نيو دلهي لإصدار بيان انتخابي يعكس رؤيتهم وتطلعاتهم لمستقبل البلاد (الجزيرة مباشر)

لا وعود مباشرة

وفي هذا الإطار، يقول الخبير السياسي سورو شاهي إن البيان أصدره حزب المؤتمر يوم الجمعة أهمية كبيرة بالنسبة للمتضررين خلال فترتي حكم رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وخاصة المسلمين.

وأضاف “بعد دراسة البيان بعناية، تبين لي أن الكونغرس لم يُقدم أي وعود مباشرة للمسلمين، وهو الأمر الذي أثار مخاوف حول التزام الحزب بمعالجة القضايا التي تواجه هذه الفئة المهمة من المجتمع وتأتي هذه المخاوف في ظل التصاعد المستمر لقضايا التمييز ضدهم، بما في ذلك حوادث الاعتداء والتضييق على الحريات الشخصية والدينية”.

وتحمل هذه الظروف المؤلمة مسؤولية كبيرة على الأحزاب السياسية لتبني سياسات تعزز المساواة، وتحمي حقوق المواطنين جميعهم بغض النظر عن الدين أو العرق، بحسب شاهي.

وشدد الخبير السياسي على أنه يتعين على الحزب المعارض الرئيس أن يعترف علنًا بالفظائع التي ارتكبت حكومة مودي ضد المسلمين، بما في ذلك اضطهاد الناشطين المسلمين، وهدم منازلهم، وتطبيع معاناتهم، ويجب عليه أن يتبنى مواقف أكثر حزمًا في مواجهة التمييز وتعزيز التسامح والتعايش السلمي بين الأعراق والأديان.

“ليس للهندوس”

طبعًا، أثار بيان “الكونغرس” الانتخابي استياءً بين العديد من أعضاء حزب بهاراتيا جاناتا، حيث وصفه رئيس الوزراء ناريندرا مودي نفسه بأنه “ليس للهندوس”، مشيرًا إلى أجندة حزب مسلم ليغ (حزب أول رئيس لدولة باكستان محمد علي جناح). يُظهر ذلك أن حزب المؤتمر ينظر إليه على أنه يُعطي الأولوية للمسلمين، مما يذكر بموقف مسلم ليغ أثناء فترة التقسيم في عام 1947.

في المقابل، من المتوقع أن يصدر حزب بهاراتيا جاناتا بيانه الانتخابي خلال الفترة المقبلة، حيث سيُركز على قضايا النساء والشباب والمزارعين والفقراء، ومن أبرز ما يدعو له منذ زمن خفض الأسعار وتقليص حجم الفساد، وتشديد الإجراءات لطرد المهاجرين غير الشرعيين من ميانمار (بورما سابقًا) وبنغلاديش.

ويعتقد المهندس محمد سليم، نائب أمير الجماعة الإسلامية بالهند، أن قادة المنظمات الهندوسية والحزب الحاكم سيستغلون بيان حزب المؤتمر ومحتوياته، لتحقيق أجندتهم السياسية.

ويشير إلى أنهم سيصورون بيان الحزب المعارض على أنه مناهض للهندوس ومؤيد للمسلمين، بهدف تحريض العداء بين الطرفين، ويوضح أن الحزب الحاكم يدرك أنه يجب عليه أن يعزز استقطاب الناخبين الهندوس ضد المسلمين للفوز في الانتخابات، وذلك من خلال تشويه صورة المسلمين بحملاته السياسية.

المصدر : الجزيرة مباشر